نحن مع غزة
أهلا و سهلا بكم في مدونة أعلام الجزائر والتي أردنا من خلالها جمع تراجم وسير علماء الجزائر وفقهائها ومصلحيها ... فطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة مقعدا ونرحب بنقدكم وتقييمكم وتقويمكم . . ::......... ..

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2009

الشيخ محمد بن أبي القاسم الهاملي


بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ محمد بن أبي القاسم الهاملي
هو محمد بن أبي القاسم بن ربيح بن محمد بن سائب بن منصور بن عبد الرحيم بن أيوب .

ولد الأستاذ بالبادية في موضع يقال له الحامدية في شهر رمضان من عام 1239هـ / ماي 1824 م . و نشأ في كنف والديه الكريمين عزيزاً مكرماً ، تعلّم في قرية الهامل على يد أحد علـماء الشّـرفة يسمى( سي محمد بن عبد القادر المشهور بـ ( كريرش ) فكان ذكياً و حافظا ممتازاً ، حفظ القرآن في سن مبكرة يقدرها بعضهم بـ 13 سنة .

انتقل بعد ذلك إلى مناطق البيبان حيث زاوية سيدي علي الطيار لمواصلة تعلمه ، ( فأتقن القراءات السّبع و فنّ التجويد على يد أحد لهؤلاء بصماتهمها المسمّى سي الصّادق ، كما تولّى مؤونة أكله و العناية به رجل من الأخيار يسمّى عبد الواحـد .

بعد عامين قضاهما في ر حاب القرآن، عاد إلى الهامل و سرّ به معلّمه الأول ( سي كريرش) ، بقي مـدة في القرية كان خلالها يتردّد على الكُتّاب ، و أحيانا يساعد معلّمه في تعليم القرآن لأبناء قريته ، تارة في جامع عين التّوتة و تارة أخرى في المسجد العتـيق، و كعادة الأشراف بعد صلاة العصر من كل يوم تمتلئ بهم رحاب الجامع يستمعون إلى قراءة القرآن ، و يشارك بعضهم في قراءة الحزب الراتب مع التّلاميذ ( القـناديز).

توجه إلى زاوية السّعيد بن أبي داود ( آقبو ) من مناطق جرجرة ، و فيها لازم العلاّمة الشّيخ سيدي أحمد بن أبي داود مدّة حدّدها بعضهم بـ : خمس سنوات ، و يُقدّرها آخرون بسبع سنوات قضاها في رحاب العلم و المعرفة . وَجَدَ مُجْتَهدًا فأخذ عنه علوم الشريعة ، و برع في المذهب المالكي ، و يقول عنه تلميذه الحفناوي صاحب كتاب تعريف الخلف برجال السّلف : ( كان شديد الذّكاء عجيب الفطرة ، مفرط الإدراك ، بعيد الغور ، غوّاصا على المعاني الدّقيقة ، جبل علم مناظرا محاججاً )

لقد كان مثالا في الجد والغرام بالعلم وأهله ، و كان شيخه أحمد بن أبي داود يحبه كثيراً ويُعجب بذكائه الوقّادِ وحافظته النّادرة ، فتمنّى أن يكون عالماً جليلاً ( وكان التّلميذ معجباً بأستاذه و يَكْبُرُ فيه عِلمَه و دينه ، و يتمنّى أن يكون مثله يدير زاوية كبيرة يُعلِّم فيها ) .

أخذ محمّد بن أبي القاسم على شيخه عـلوم الشّريعة ( فبرع في علم التّفسـير والحديث و الفقه و أصوله ، و عـلم الكلام ، و النّحو والصّرف ، والبلاغة و علم الفلك ، والحساب ، فأتقنَهَا جميعاً ) .

حين تأكّد ابن أبي داود من براعة تلميذه و تحصيله الجيّد و طريقته المثلى في التدريس أمرَه بالتّوجه إلى زاوية ابن أبي التّقي ليدرس بها الفقه فأكمل ثلاثة أجزاء من الشّيخ الخرشي ( صلاة و زكاة ، و بيوعا) فكان مدرّسا ممتازا واعظا للعامة ، وموجِّهاً دينياً بارعاً ، فأُعجب به النّاس و صار حديث المجالس في بلاد القبائل ، و يشهد له كل علماء الزّاوية و مُريدوها و طلَبَتها بالعلم و المعرفة فكان ذلك مدعاةً لشيخه أن يمنحه الإجازة َ( الشهادة ) و خلال وُجوده بزاوية أبي التّقى في حضرة شيخه بجماعة من الأشراف منهم ( السيد محمد بن زيان ، و السيد إبراهيم بن الحاج ، و السيد أبو الأجدل بن عمر ) و كلهم مرابطون من الهامل ، فطلبوا من شيخه سيدي أحمد بن أبي داود أن يأذن له بالتّدريس في الهامل فكان لهم ما أرادوا، فعاد ابن أبي القاسم إلى قريته بأمر من شيخه ، و رغبةً من الأشراف .

في عام 1265هـ /1849 م أو بعدها بقليل، بدأ الأستاذ محمد بن أبي القاسم التَدريس بالهامل ، و يرجّح أن يكون جامع الحجّاج بعين التّوتة هو نقطة البدء في عمليّته التّعليمية ومشروعه الذي عزم على تحقيقه ففرح به أهل القرية ، و زَهَتْ به الهامل و شهِدت عين التّوتة وجامع الحجّاج حركةً لم تعرفها من قبل و تَوَافدَ على مَوْطِنِ الحجّاج و موضع إقامتِهم سكّان القرى و البوادي المجاورَةِ لسماع الوعظِ والإرشاد ، وسارَعوا بأبنائهم لطلب العلم و المعرفة ، فحصل بذلك نفع كثير. ( كان يحضر دروسَه نحو ثمانين تلميذاً في الفقه .. و كانت مئونة الطّلبةِ في بداية الأمر من عنده ، والمُحسنين من أهل القـرية والقرى المجاورة ، ولمّا رأى الشّيخ تكاثُرَ الطلبة عليه و تزاحُمَهم، فكّر في إنشاء زاوية و معهد ) . يذكر مؤلف كتاب ( الزهر ) أن الشيخ شرع في بناء الزاوية و المعهد في عام 1279هـ/ 1862 م وبعد سنة من العمل المتواصل ، انتقل مع أهله وطلبته إليها حيث تمّ الإنجاز في مدّة سنة ، تشير بعض الروايات المسموعة ، وحتى المكتوبة منها إلى أنّ الشّيخ محمد بن أبي القاسم بعد عودته من بلاد القبائل و مباشرته التّدريس بمسجد الحجّاج ، تكاثر عليه الطلاب والزوّار فطارت سُمعته في الآفاق ، فبلغ ذلك الشيخ المختار بن عبد الرحمن بن خليفة صاحب الزاوية المشهورة بأولاد جلال ، فدعاه إليه للتّدريس بزاويته و لما رأى فيه من الخصال الحميدة وشرف النسب و غزارة العلم طلب منه ملازمته في الزاوية ففعل ، و في آخر أيامه عينه نائـباً له ثم سلمه تصريف الأمور ، و عهد إليه بتربية أبنائه و تسليم أمور الزاوية إلى أحدهم من بعده.

بعد و فاة الشّيخ المخـتار، رتّب ابن أبي القاسـم أمور الزّاوية و أسند إدارة المقام إلى ولدهِ مصطفى بن الشيخ المخـتار، و عاد إلى الهامل يستأنف نشاطه العلمي و الديني ، ويضع اللّمسات الأخيرة للـزّاوية .

لقد كان الشّيخ من أكثر أهل الخير تقديراً للعلم والعلماء ، وكان من المُوجِهين الدّينيين والوُعاظ الصّادقين الذين يخلو تصرفهم من كل بدعة أو خرافة ، حقّق في سنوات قليلة لزاوية الهامل صيتا واسعا تجاوزَ ما لغيرها من الفروع الرّحمانيـة وتمكن أن يُدرِّس كلّ الطّرق الصّوفية لعلماء الشّرفة و من أمّ َ المعهد من غيرهم .

إنّ قرية الهامل التي كانت تَضمُ مدرستين قرآنيتين و بعض الكتاتيب الصّغيرة عند فترة الإحتلال الأولى صارت مركز إشعاع علمي و ديني عظيماً و مَعلماً نيّراً بعد تأسيس محمد بن أبن القاسم الزاوية و المعهد بها .

هذا المعلم النيّر أصبح مركزاً هاما في المنطقة ارتاده في الفترة الممتدة من : 1301 هـ/ 1883 م إلى 1303 هـ / 1885 م ( ما بين 200 إلى 300 طالب سنويا ) بدرسهم أساتذة مجازون و مهرة بلغ عددهم خلال نفس الفترة 19 أستاذاً في جميع المعارف و العلوم ، وكان بعض تلاميذ المعهد يتوجّهون إلى العاصمة لإتمام دراستهم العلـيا بمدارسها .

بالإضافة إلى الدّور الثقافي و الديني فإن الزاوية كانت مركز التقاء كبير للأعراش المجاورة و محطّ رحال أولاد نايل لفكّ خصوماتهم و التـآلف بينهم و تزويدهم بالمعـارف الدينية ، كما كانت مأوى للعجزة والمحرومين .

و قد كانت وفاة شيخ الزاوية محمد بن أبي القـاسم عام 1315هـ / 1897 م، بعد حياة حافلة بالاجتهاد و الجد و العمل و نشر الدين و الثقافة و جميع العلوم، و تقديم خدمات جليلة للإسلام ولأهله ووطنه .
---------------------
للإستزادة:


هناك تعليق واحد: